اخبار العراقالمقالات

نحو سياسة نظيفة.. الكتاب الذي يجب قراءته.

يفترض ان أعضاء البرلمان يمثلون الشعب فينقلون مطالبه وهمومه آراءه الى مصادر القرار، حتى تُناقش وتنضج وتُتخذ فيها القرارات المناسبة، لكن الواقع على الأرض ان أعضاء البرلمان منهمكون في قضايا بقضايا احزابهم ومصالحهم الفئوية ولا يكترثون بهموم أبناء المحافظات التي انتخبتهم، وان أكثر أبناء المحافظات لا يعرفون ممثليهم في البرلمان لأنهم غير متفاعلين مع أوضاعهم.

 

هذا الكلام قراته بالصدفة هناك حيث تجولنا في معرض بغداد للكتاب الذي اُقيم مؤخرا، كان عنوان الكتاب (نحو سياسة نظيفة.. تأصيلات فقهية واخلاقية ورسالية للعمل السياسي)، الكتاب انيق جدا في شكله وطباعته، وهو جهد تجميعي لخطب المرجع الشيعي (الشيخ محمد اليعقوبي).

 

الكتاب الثروة

 

يعاني المسلمون المشتغلون في السياسة من عدة أمور أهمها كثرة التنظير السياسي الإسلامي (على اختلاف التنظير بين المدارس والمذاهب)، واغلب كتب المفكرين الإسلاميين كُتبت بطريقة تشبه بلدانهم، فلا تنظير اخوان مصر فاعل في العراق ولا تنظير ولاية الفقيه في إيران ناجعة في العراق او في غيره، لذلك كان لابد من تنظير إسلامي يمزج المدارس ويوظف هذه الأفكار السابقة لخدمة العراق بما يُحافظ على هويته الإسلامية الطاغية، وانني لمست هذا الامر في طيات الكتاب.

 

الهوية الوطنية

 

ازمة الهوية الوطنية في العراق معضلة لم تُحل منذ انتهاء الدولة العثمانية، فلا العراق عربي مع اقلية كردية ولا هو إسلامي مع اقلية مسيحية ولا هو سني_شيعي، وكل الازمات في العراق يرجع سببها الى الهوية الوطنية، ازمة الشيوعية كانت بفعل بلورة هوية (اممية) ترتبط مع السوفييت في السراء والضراء، وكذا فعل القوميون (العارفيون والبعثيون) بلورة هوية قومية ترتبط بالأمة العربية في السراء

والضراء، وصولا الى دستور 2005 وبدعة هوية مشوهة قومية_مذهبية، حيث كل القوميات في العراق احتفظت بهويتها القومية الا القومية العربية تم شطرها الى مذاهب (وهذا ما يشير اليه عزمي بشارة ان شطر القومية الى مذهبية سوف ينتج عنه شطر الهوية المذهبية الى هويات فرعية أصغر وصولا الى الهوية العشائرية وأصغر) وما لمسناه من تبعات هذا الشطر ظهور أحزاب وتيارات شطرت المكون المذهبي نفسه واضعفته.

يعالج الكتاب هذا التشوه بالهوية الوطنية من خلا 15 نقطة ذكرها المرجع الشيعي واسماها (المبادئ العملية لنجاح العملية السياسية)، ولم يكتف بذلك بل ذهب الى كتابة مبادئ أخرى اشبه بالفتاوى واسماها (التحذير من الأساليب الخاطئة في الدعاية الانتخابية) ونستطيع القول انها اشبه بميثاق إسلامي يحرّم التعدي على الاخرين أيام الانتخابات، وعرف العراقيون ان هذه الأيام تبلغ الخطابات الطائفية المحتقنة ذروتها وتزعزع السلم الأهلي، لذلك عمد المرجع الى معالجة هذا الامر منذ عام 2006.

 

الاملاءات الغربية

 

بعد عام 2003 انفتح العراق بصورة كبيرة على الأفكار الغربية المنحلة، وصار الشارع العراقي سوقا رائجا يباع فيه كل غث وسمين، واكتفى المسلمون بالوقوف مدافعين عن أفكارهم ولم تتصد الأحزاب الإسلامية لهذه المنظمات ومناهضة أفكارهم، يطلق المرجع اليعقوبي على هذا (التنازل للغرب) بل ويحذر من ذلك بقوله: (الوقوع في فخ الاستفزازات خصوصا في مجال المراة حيث يقوم الإسلاميون بتغيير منهجهم وتقديم (تنازلات) ليوحوا للغرب اننا منتفتحون ومتحضرون ونحوها من العناوين البراقة التي يراد منها تمييع الشخصية)، وهو بالفعل ما حصل بعد ذلك فترى كثير من هؤلاء بدا يتحدث عن (الجندر) وكانه اعلم من رب العالمين (جلّ وتعالى) وان تسمية الرجل والمراة خطا كبيرا، وتحدثوا بصراحة وبعضهم (معمم) فقط لان يثبتوا لامة اليهود والنصارى والملحدين اننا (منفتحون ومتحضرون) وهو بالفعل قد ماعت شخصيته الإسلامية وطمست في بحر الليبرالية المتطرفة، هذا الكتاب عالج أيضا كيف نُطبق الإسلام لنحقق العدالة التي امرنا الله بها بين الجنسين.

 

غياب ام تغييب

لم اسمع عن هذا الكتاب شيئا من قبل، ولم ار ندوة او صالون سياسي يتحدث عنه، ولم قرأ مقالا في نقده، وهذا يعود الى ضعف التيار الرسالي في الترويج لهذه المفاهيم التي تخرج الإسلاميين من عزلتهم، بل وتعيد الثقة في منهج الامة الذي تعرض الى اشدّ عمليات التشويه الممولة من الغرب، في كل مكتبة عامرة وعلى كل مشتغل في مجال السياسة ان (يلتهم هذا الكتاب) حتى يفهم الفرق بين التدين الشعبي والتدين الحق، ويفهم ايضًا كيف الإسلام قادر على قيادة الحياة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى